خدمة الخبر العاجل.. ما بتوقف ولا دقيقة
اعلاناتمقالات وآراء

الغاوي.. بين المحترف والهاوي

دراسة نقدية - فداء الحلبي

تابعني على إنستغرام

فداء الحلبي
فداء الحلبي
العنوان: تساؤلات نقدية
الموضوع: دراسة نقدية لقصيدة «الغاوي»، للشاعر سهيل أبو فخر
الناقد: فداء الحلبي
كتب الشاعر سهيل أبو فخر هذه القصيدة العصماء، وقد قلت في تعليق: إني قرأت أجمل ما رأيت بعيني، وأدركت بقلبي من شعر الحداثة، وهي كذلك.
يقول الشاعر أبو فخر:
ثمة قوافٍ صعبةٌ تستهويني وتستوجب نصاً شيطانياً، انظروا هذه القصيدة بعنوان: «الغاوي»
يقيناً أنني ألقيتُ نفسي
على طُرُقِ الهوى في كلِّ رجسِ

ورحتُ أزاورُ الحسناءَ حتى
ظننتُ بأنني من عبدِ شمسِ

وما أنا غيرُ شيطانٍ رجيمٍ
أصابَ أميَّةً بسهامِ نحسِ

فلوسُ أميةٍ ذهبَت هباءً
وأرضُ أميةٍ بيعَت بفلسِ!

ونهدُ أميةٍ قد فرَّ مني
وما زالت رُضَابُهُ تحتَ ضرسي

وإن غضِبَت فإن بناتِ آوى
يظلُّ حنينُهنَّ لإبنِ عرسِ

لينهشَ لحمَهنَّ بغيرِ حقٍ
ويدفنَ ما يشاءُ بجوفِ رَمسِ

زرافاتٍ صُنُوفاً من حمامٍ
فمن عربٍ ومن عجمٍ وفُرْسِ

أتينَ حديقتي من كلِّ فَجٍ
ذبحن كِباشَهنَّ بنصلِ فأسي

وربُّ البيتِ يلقاهنَّ جمعاً
يخلِّصٌهُنَّ من قلقٍ وبؤسِ

ويسألُني هل استوعبنَ درساً
أجبني! لا تراوغ يا ابن عرسِ!

أجيبُ بأنهنَّ بناتُ عِزٍ
ولي فيهنَّ ما في نفسِ قيسِ

فبِنتُ الودِّ أعرفُها بقلبي
وبنتُ السعدِ أعرفها بحدسي

وأجملُهنَّ من سُمْرٍ ومُلْسِ
وأفصحُهنَّ من بُكمٍ وخُرْسِ

ترفَّقْ يا إلهي.. كن رحيماً
ولو أخفقنَ في استيعابِ درسي

السلام عليكم، ممن تأمّل فاعتبر، وتفكّر فافتكر، ثم قال جميلاً، أو اكتفى بالسماع أو النظر.
أما بعد، فهذه ليست دراسة نقدية لقصيدة الشاعر الأستاذ سهيل أبو فخر، بقدر ما هي مجرد تساؤلات بريئة من كل غاية تعدو أن تكون لمجرد أخذ العلم وتصويب الفهم.
والسبب في هذا، أنني لست بناقد، وما أنا إلا سائر على خطى الشعراء، فأتذوق ما يبدعون وأناقش ما يسطرون، فالشعراء يقولون ما قد تعلمونه، وقد لا تعلمون.
أضف إلى ذلك، أن الشاعر أبو فخر أستاذ له باع طويل جداً في الأدب، وفي انتقاد التلميذ لأستاذه شيء من قلة الأدب، حتى وإن ظُنَّ الأخير على خطأ، وأقلها يستطيع الاستفسار، وبشكل شخصي؛ فعلى قولة الشافعي:
تَعَمَّدني بِنُصحِكَ في اِنفِرادي
وَجَنِّبني النَصيحَةَ في الجَماعَه

فَإِنَّ النُصحَ بَينَ الناسِ نَوعٌ
مِنَ التَوبيخِ لا أَرضى اِستِماعَه

لكن، نظراً لغياب النقد والنقاد عن الساحة الأدبية التي هي أيضاً تغرق في الحضيض حتى تكاد تغيب، آثرت طرح تساؤلاتي على الملأ، قاصداً عموم الفائدة ليس إلا؛ ولربما أكون مخطأً في محلّ ما، فالشعر آفاق يفتح بعضُها بعضاً، وكلما تقدم الشاعر بالعمر الأدبي فُتحت أمامه آفاق، قد تكون مغلقة أمام شاعر آخر، والشاعر أبو فخر طاعنٌ في سن القصيدة، بينما أنا لما أزل فتياً غضّ المدركات؛ ولربما أخطأ التأويل في هذه التساؤلات..

يقول:
ورحتُ أزاورُ الحسناءَ حتى
ظننتُ بأنني من عبدِ شمسِ

يقول: (بأنني)، ومن حيث البلاغة، ربما الظن بالشيء هو التشكيك بمصداقيته، أي إذا استخدم فعل الظن لازماً، فهو بذلك لايفيد المعنى المراد منه في البيت الشعري، وهو الترجيح والتغليب، فقولنا: ظننت بالأمر، أي شككت به.
وأنا أرى أن الفعل ظنّ يجب استخدامه متعدياً إلى مفعوليه، كي يفيد معنى الترجيح، وفقاً لما تجلى لي من إرادة الشاعر أبو فخر في هذا البيت، وهو أدرى بشعره مني، كقولنا ظننت أنني من عبد شمس، على أن يتم له الوزن.

ويقول:
ونهدُ أميةٍ قد فرَّ مني
وما زالت رُضَابُهُ تحتَ ضرسي

يتجلى هنا أن المقصود في أمية هم الجماعة أو القوم أو ما كان مؤنثاً لفظه؛ لكن، المعلوم أن أميةً رجلٌ، وفي السياق الفني للقصيدة يقصد به أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعليه أتساءل هنا: ما للرجال بنهود الرجال يا أستاذ سهيل! وضح لنا.
أضف إلى ذلك، الرضاب مذكر، فلمَ تقحم تاء التأنيث على فعله الناقص ؟
أما إذا كان الفعل الناقص يعود على الجماعة المقصودة، وما بعده جاء جملة حالية أو خبرية، فهذا يفكك سبك البيت ويؤدي إلى ترهله، إلا إذا أضيف على الجملة إياها ما يدل على مؤنث بما تعود عليه، كقولنا: ومازالت رضابها…

ويقول أيضاً
وإن غضِبَت فإن بناتِ آوى
يظلُّ حنينُهنَّ لإبنِ عرسِ

همزة ابن همزة وصل، وربما يجوز للشاعر تطويع النحو ولكن في الحالات الإسعافية، أما هنا، فلا أرى سبباً معقولاً لاستبدال الوصل بالقطع، طالما أنّ جعلها مثلاً ” إلى ابن عرس ” يحفظ لك وزن الوافر.

يقول أيضاً:
زرافاتٍ صُنُوفاً من حمامٍ
فمن عربٍ ومن عجمٍ وفُرْسِ

معلوم أن العرب هم من نطقوا بالعربية، والعجم هم من نطقوا بسواها، ومن العجم الفرس والروم والإغريق… إلخ.
تساؤلي هنا: ألا يكون أبلغ وأوفى للمعنى عطف الكل على الكل، على نحو عرب وعجم، والجزء من الكل على الجزء من الكل، على نحو روم وفرس، وذلك بناءً على أفضيلة عطف الأجناس والأنواع على أمثالها، فنقول في البيت: فمن عربٍ ومن رومٍ وفرسِ.

ثم يقول:
فبِنتُ الودِّ أعرفُها بقلبي
وبنتُ السعدِ أعرفها بحدسي

في هذا البيت، لا أملك إلا أن أقول: إنه من أجمل ما قرأت في الشعر.. عاشت يداك، وأكتفي بهذا القدر تجنباً للإطالة، على أنني لو أردت التعليق على جميع مواطن الجمال في القصيدة، لاستغرقتني طويلاً طويلا.

مع منتهى التقدير وبالغ الاحترام للشاعر الأستاذ سهيل أبو فخر.
فداء الحلبي

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock