خدمة الخبر العاجل.. ما بتوقف ولا دقيقة
أخبار عربية ودوليةأخبار لبنانيةاعلاناتمقالات وآراءهام

الانسياب التكتيكي.. في شِعر محمد البريكي

بيت القصيد.. بين الأصالة والتجديد

الشاعر محمد البريكي
الشاعر محمد البريكي
لقاء خاص مع الشاعر محمد البريكي، أحد أكبر أعلام الشعر في الإمارات العربية المتحدة، ومدير بيت الشعر بالشارقة.
إعداد: فداء الحلبي
(إنك لا تسبح في مياه النهرِ مرتين، لأن هناك مياهاً جديدةً تجري من حولك دائماً)، هذا ما يقوله المثل الإغريقي، وهذا ما نلمسه جلياً سلسلاً دفاقاً لدى واحدٍ من أغزر أنهار الإنتاج الفكري في دولة الإمارات العربية المتحدة، من حيث أنه لا يكاد يختم نصاً أو يطرح ديواناً شعرياً حتى يشرع بآخر؛ هو برأيي نبع الفكر الخلاق الذي لا ينضب، وآلة الصناعة الإبداعية التي لا تتعب، آلة مصنوعة من المشاعر والأحاسيس المرهفة والأفكار الخلاقة، مادتها الأولية الخيال، وقطع غيارها الفن والإحساس والذوق الرفيع، والحديث بحر واسع فيه نضيع، عندما يكون مع مدير بيت الشعر في الشارقة، الشاعر والإعلامي محمد عبدالله البريكي، أرحب بك ضيفاً عزيزاً وكوكباً مضيئاً في فضاء الأدب.

– السؤال الأول:
فأنا عاشقٌ ليس لي غيرُ هذا الظّلامِ
أخاتلهُ
وأرى نجمةً جلسَت وحدَها
وأنا في الظلامِ الوحيدُ
أفكّرُ كيفَ أنَوّمُ هذا الظلامَ…
في مقاربة لهذا النص من قصيدة (منجلٌ لا يقص الشجر) مع قولك: إن الشاعر يجب أن يصادق الوجع ليجعله عود ثقاب لنصه!
ما الذي أوجع الشاعر البريكي، فاقتدحَ كل هذا الألم الحارق من مفكرة الخيال، ثم أشعل غابات النص الشعري على صفحات ديوانك «الليل سيترك باب المقهى»؟

– الألم جزء من حياة الشاعر، وربما لا يحتمل القارئ ازدحام حياة الشاعر بالحزن، فهو من أول بيت شعر كتبه، وهو يتعايش مع مواقفه الإنسانية وما يصطدم معه، فيعيد صياغة مشاعره على الورق بشيء من المجازفة، وفي ديوان «الليل سيترك باب المقهى» عشت مع قصائده بطفولة ونسخت كل مشاعري آنذاك في كلماته دون أن أضع فكرة الحزن وحدها في ذهني، فأنا كشاعر لا أضع خطوطاً لمشاعري، لذلك تأتي الكلمات محملة بدفقات الحزن أو الفرح بشكل هادئ أو ثائر خارج الطقوس والقوالب.

– السؤال الثاني:
الحب من أقوى مولدات الطاقة الفكرية لدى الشاعر، وعندما نتحدث عن دواوينك الشعرية (بدأت مع البحر، بيت آيل للسقوط، عكاز الريح، الليل سيترك باب المقهى، ومدن في مرايا الغمام) الزاخرة بكل هذا الزخم في الإنتاج الفكري، والقطف من أشجار الخيال، يتوارد السؤال:
ماهي ملامح هذا الحب الذي يغذي خيال الشاعر البريكي، فيكاد لا ينقطع، وكيف تستطيع مزج الحب – كما لمسنا- والوجع – كما قلتَ – على الورق في وصفة فكرية شهية ومغذية؟

– الحب حقيقة في حياة الشاعر كحقيقة الشمس والنجوم والقمر، ولا أتصور شاعراً يخلو قلبه من الحب ويعيش لقضية غيره، فالحزن في القصيدة حب، وكل كتابة أيّاً كان مغزاها تسقط إن لم تكن مغزولة من حرير الحب وعطره، وكلما سكن الحب قلب الشاعر عرف معنى الانتماء للوطن.. للعائلة للأرض للجذور، فهو حديث النفس للنفس، وحين يتجسد في كلمات، فالقصيدة تأخذ شكلها الطبيعي وإرادتها الحقيقية، أما مسألة مزج الحب بالحزن، فإنها أشياء لا إرادية ولا يخصص لها الشاعر حيّزاً لأنه لا يتخطى حالته التي على ضوئها كتب هذه القصيدة أو تلك.

– السؤال الثالث:
حبذا لو أستمر معك باستكشاف سراديب الشعرِ البريكيِّ، المؤدية إلى (روما) الإبداع الفكري، ولكن يتحتم عليّ أيضاً الإضاءة على دورك في إدارة بيت الشعر، بتوجيه من دائرة الثقافة في الشارقة.
حدثنا عن أبرز الفعاليات والخطط الاستراتيجية، التي يُبنى عليها بيت الشعر في الشارقة؟

– بيت الشعر نافذة مفتوحة للأدب والثقافة واستقطاب الشعراء، وكل ندواته وفعالياته تحدث ضمن خطط مدروسة، فهو موجود في حياتنا الأدبية بشكل ملموس، ومحيطه ممتد وحدوده هي حدود الحرية، ويعمل وفق توجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتعمل دائرة الثقافة على إنجاح فعالياته بشكل منهجي، فهو استمرار حقيقي لنهضة الشعر وما يرتبط به من إبداع.
النص الإلكتروني مغامرة!

– السؤال الرابع:
الكتاب المطبوع له روح وأحاسيس تخالط روح القارئ وأحاسيسه، فتتكون الحالة الجمالية في شخصية المثقف بنتيجة هذا الارتباط الدافئ، بينما تلقّي النص عبر الشاشات الإلكترونية اليوم، يشكل شيئاً من الجليد بينه وبين القارئ.
بحسب تجربتك الشعرية المواكبة للتطور الرقمي، ماهي توصياتك للأدباء في سبيل كسر الجليد بين النص الأدبي الإلكتروني والقارئ المحاط ببحر من المحتوى الرقمي المتنوع؟

– لقد تجاوز الأدب بفضل العالم الرقمي الحدود وأصبح للطابع الإلكتروني في النشر مشروعية، فقد ساهم في انتشار الأدباء والشعراء واكتشف العديد منهم، فهو لا يلغي الورقي ولكنه جزء من حركة التطوّر التي تشهدها الحرية الإبداعية في هذه المرحلة، ولكل مرحلة مقتضياتها ونتائجها ودلالتها؛ وهو من وجهة نظري مغامرة، قد تكون ناجحة وقد تكون فاشلة نظراً لأن هناك سلبيات لا يمكن تعميمها خصوصاً أن هذا العالم الرقمي الذي نتعايش معه أتاح لكل من لديه فرصة للكتابة أن يكون موجوداً.. لكن أنا دائماً أعوّل على ذوق المتلقي، فالجيد لا يمكن لأحد أن ينتقص منه بينما المواهب التي لا تزال في طور التكوين تحتاج دائماً إلى بناء العقل وتنمية الملكات.

– السؤال الخامس:
سؤالي الأخير عن جائزة الشارقة للإبداع العربي، كونه يخص شريحة واسعة من المبدعين الشباب السائرين على خطاكم.
ماهي المعايير التي يتم على أساسها انتخاب الدواوين المتقدمة للمسابقة وترشيحها؟ وما توصياتك لشعراء الأجيال الحديثة، في انتقاء نصوصهم المقدمة؟

– المعايير كلها تنصب في التفرد في اللغة والخيال والتوظيف والكفاءة الشعرية كضرورة لنجاح العمل وتزكيته، وأن يمتلك الشاعر قدرة فذة على توزيع صوره الشعرية بشكل غير مطروق لأن مثل هذه الجوائز تقدم المواهب الحقيقية للساحة الإبداعية.

ثمة من الأحاديث ما لا تريد له أن ينتهي، هذا الحوار الذي يأخذك إلى عالم الراحة النفسية والسكينة القلبية؛ فلا تراه إلا مفعماً بالطاقة الإيجابية، ومتوجاً بالأكاليل الجمالية؛ في حديث كهذا نصل إلى معنى جديد من معاني الحبّ، الذي ننشد معرفة ملامحه في تجارب الشعراء والمبدعين، وهو أن محاورة شخص من أصحاب الذوق الرفيع والفكر البديع ، يدخل في إطار الانسياب التكتيكي، تماماً كانسياب الشعر في خيال الشاعر محمد البريكي.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock